{..أنـا لـقـيـطـة..}

كانت جالسة بعيداً عن كل من هم في سنها على كرسي خشبي في طرف الحديقة تراقب عينيها الغـارقتـان بالدموع لعب الأطفال , كان كل جزء من جسدها يحكي عن قصة حزنٍ مرير كانت ولا زالت تعيشها , حتى أطراف أصابعها حزينة وترتجف , حتى شفتاها الصغيرتان تحكيان عن مدى حزنهـا , وخصلات شعرها الأسود الحريري تحاول أن تخبئ وجهها الأبيض الذي لطخه سواد الحزن واليأس وتحاول أن لا تظهره ولكن محاولة تلك الخصلات باءت بالفشل لأنها هي أيضاً تحكـي عـن حزنهـا وهمهـا , تنهدت تلك الفتاة تنهيدةً طويلــة لتنفِّس عن حزنها الذي تكبته داخل صدرها , نهضت من مكانها ومشت متجهة إلى الفتيات الأخريات , كانت تود اللعب معهم ولكنها تمشي خطوة بتردد ثم تتراجع خطوتان إلى الوراء وهي تتمنى أن لا يحدث معها كما يحدث في كل مرة تقابل فيها الفتيات , حينها تعثرت بدمية صغيرة وسقطت على أرض الحديقة الخضراء تأملت الدمية قليلاً ثم حملتها بلطف , وتقدمت إلى الفتيات اللاتي ينظرنّ إليها بازدراء ولكنها لم تأبه لنظراتهن وتقدمت ولكن أوقفها صوت فتاة تقول : أيتها الفتاة أعطني دميتي.. مدّت إليها الدمية وقالت وهي تبتسم : هل بإمكاني اللعب معكن ..؟
نظرت إليها الفتاة صاحبة الدمية بكرهٍ شديد وبغض وأخذت دميتها بقوة كادت أن تسقط تلك الصغيرة من قوتها , ثم تنقلت عينيها ما بين صديقاتها وأعادت نظرها مرة أخرى إلى الفتاة التي تنتظر إجابتها بفارغ الصبر , فأجابت : لقد قالت لي أمي لا تلعبين مع تلك اللقيطة , لذا ابتعدي عنّي وإلا أخبرت أمي.. ثم نظرت إلى صديقاتها المنغمسات في اللعب بالدمى وأكملت وهي تشير إلى الفتاة : أنتن هل تردنّ اللعب مع هذه اللقيطة..؟ ولكن جميع الفتيات انسحبنّ من الحديقة , ابتسمت الفتاة صاحبة الدمية ابتسامة نصر وشماتة بتلك الصغيرة وقالت : أرأيتِ لا أحد يريدكِ هيا انصرفي من هنا يا لقيطة.. فأعطتها ظهرها ومن ثم خرجت من الحديقة وتركتها وحيدة وأشتد حزنها وألمها , وتردد في أذنها صوت تلك الفتاة عندما قالت لقيطة , كم كان وطأ تلك الكلمة قوياً عليها فقد لازمتها هذه الكلمة منذ أن عرفت الدنيا وأصبح أسمها لقيطة , ولكن ما ذنبها هي ما ذنبها..؟ نظرت إلى الحديقة التي خلت تماماً ثم أعادت نظرها إلى الأرض بحزن شديد ونزلت الدموع على وجنتيها بحرارة وسقطت على الأرض بقوة فعلت شهقاتها وازدادت دموعها وصرخت بصوتٍ باكي وهي تضرب الأرض بيديها الصغيرتين ::
أنـ ــا لقيـ طـ ـه ..!
أنـ ــا لقيـ طـ ـه ..!
أنـ ــا لقيـ طـ ـه ..!

حتى الحديقة الخالية رددت صدى صوت تلكـ الفتاة لعلها تشاركها معاناتها ولو بشيءٍ بسيط , فما بالنا نحن البشر لا نتعاطف معها ومع ممن هم يعيشون مثل معاناتها , عجباً لحالنا أصبح الجماد يشعر ويعطف ويحس ونحن لا...؟!

هل من خطبٍ في الإحساس لدينا ...؟!
الكثيرون من الأيتام واللقطاء بحاجة إلينا ...؟!
فما بالكم لا تتعاطفون معهم ...؟!
ما بالكم لا ترحمونهم ...؟!

شكرا على الموضوع............

شكرا على مرور الرائع